فن الرجز ..
فن الرجز
ـ الرجز من البحور القديمة في الشعر العربي ، استخدم بكثرة في الشعر الجاهلي ، مما يدعو إلى الاعتقاد بأنه كان الوزن الشعبي العام الذي يدور على كل لسان . ومن ثم لم نجد شاعراً مبرزاً ينظم فيه ، وكأنما قد تركوه للجمهور يتعهده ويرعاه .
ـ ونراه قد دخلت فيه صور كثيرة من الزحاف لا تلقانا في أي وزن آخر .
ـ كما أنه لم يتجاوز البيتين والثلاثة إلا نادراً فهو مقطوعات قصار ينظمها كثيرون على سبيل البديهة والارتجال مقترنة بأعمالهم وحركاتهم السريعة والبطيئة كحدو البعير أو الصول في ميادين الحروب ، أو تناول أي عمل كحفر بئر أو إخراج الماء منه .
ـ أول من أطاله وجعله كالقصيد شاعر مخضرم هو الأغلب العجلي .
ـ في العصر الأموي كثر محاكو الأغلب من الشعراء حتى قصر بعضهم حياتهم على تجويد الرجز وتحبيره ، وقد تناولت الأرجوزة حين طالت كل أغراض القصيدة ، وجرت على نمطها من الحديث عن الأطلال ووصف الرحلة في الصحراء والمديح والهجاء والفخر ، ومضت تزحمها حتى غلبتها في باب الصيد بالجوارح كالصقر والكلاب . ومن ذلك قول الشمردل بن شريك التميمي : ( حفظ )
قد أغتدى والصبحُ في حِجابه والليلُ لم يأوِ إلى مآبهِ
وقد بـدا أبلق من مُنجابه يَتوَّجىّ صاد في شبابه
مُعاودٍ قد ذلّ في إصعابه قد خُرّق الضِّفارَ من جِذابه
وعَرف الصوت الذي يُدعى به ولمعةَ المُلع في أثوابه
أبلق : فيه بياض وسواد . منجابه : مكان انشقاقه . التوجي : صقر ينسب إلى توج من قرى فارس . خرق : شق . الضفار : الحبل يُشدّ به . الملمع : المشير بثوبه .
والرجاز في هذا العصر فريقان :
ـ فريق يجمع بينه وبين القصيد فأكثر من الأراجيز ونظم بعض القصائد من حين إلى حين . وأهم من فقل ذلك أبو النجم العجلي الذي يجمع الرواة على أنه كان سريع البديهة في صنع الشعر ونظمه ، حيث يغلب الشعراء والرجاز جميعاً حين يستبقون في موضوع يطرحه خليفة أو وال ويظفر بالجائزة . وتميز شعره بالدعابة وعدم الإكثار من الغريب .
ـ والفريق الآخر – وهم كثيرون – شعراء أخلصوا شعرهم في الرجز أبرزهم العجاج وابنه رؤبة اللذان انتهت إليهما صناعة الرجز ، حيث تحول على أيديهما إلى صناعة لغوية ، فلم يعد يقصد به إلى التعبير عن الأغراض الوجدانية المختلفة وحدها ، بل أصبح يقصد به أيضاً إلى التعبير عن غرائب اللغة .
ـ وكان هذا الاتجاه قد كثر عند شعراء العصر ، وهو اتجاه تعليمي دعت إليه عناية الأجانب بتعلم اللغة العربية ونهوض طائفة من العلماء بجمع اللغة وشواردها . وقد انبرى العجاج وابنه رؤبة يجمعان لهم في شعرهما هذه الشوارد حتى تحول ديواناهما إلى معجمين للغرائب اللغوية . لذا عُدّا أهم من هيأ لتحول الرجز من شعبيته القديمة إلى بيئة المثقفين ، وسرعان ما استغله العباسيون في شعرهم التعليمي .
العجاج :
هو عبد الله بن رؤبة التميمي . نشأ في البادية ونزل البصرة وكان دائب الرحلة إلى منازل قومه في الصحراء . له أراجيز كثيرة في مدح الخلفاء والولاة ، وفي وصف الطبيعة الصحراوية وكل ما يجري في أراضيها وسمائها .
يعد أول من فسح للرجز طاقته وجعله يخوض في كل ميادين القصيدة . ودفعه من الشعبية إلى الغرابة اللفظية . وكان يكثر فيه من القياس والاشتقاق حسب ذوقه في الألفاظ العربية والفارسية بقصد الإغراب ، وكأن الإغراب أصبح عنده يُقصد لذاته .
ومن طريف ما يفعله أنه كان يستبدل افتتاح بعض الأراجيز بذكر الأطلال ووصف الصحراء بالحمد والثناء على الله ، وقد يسترسل في ذلك حتى تصبح الأرجوزة موعظة كاملة .
رؤبة :
هو ابن العجاج سماه على اسم جده . عني به والده فاستيقظت شاعريته مبكرة . ولع بالرحلة إلى الشرق في شبابه فرحل إلى السند وخراسان ، ثم لزم العراق يمدح الولاة والأمويين ثم العباسيين حتى مات سنة 145هـ
انتهى عنده فن الرجز إلى الصعوبة اللغوية ليرضي اللغويين من حوله ويقدم لهم ما يطلبونه من شواذ اللغة ، فغدت أرجوزته متناً لغوياً معقداً يختارها من وحشي الكلام بحيث لا يفهمها إلا اللغويون . وكان يضيف إلى الألفاظ زوائد تزيدها استغلاقاً . يقول في وصف الليل : ( حفظ )
وَجُلُّ لَيْلٍ يُحْسَبُ السَدُوسا يَسْتَسْمِعُ السارِي بِهِ الجُرُوسا
هَمَاهِماً يُسْهِرْنَ أَوْ رَسِيسا قَرْعَ يَدِ اللَعّابَةِ الطَسِيسا
عَلَوْتُ حِينَ يُخْضِعُ الرَعُوسا أَغْيَدَ يَسْقِي مَوتَهُ النَعُوسا
جل الليل : معظمه . السدوس : الطيلسان الأخضر . جروس : جمع جَرْس وهو الصوت . هماهم : جمع همهمة وهي الصوت الخفي . الرسيس : الحديث غير المبين . الرعوس : الذي يهز رأسهُ في نومه . الطسيس : الطست . يريد أن النوم يميل رأسه ويلعب به كما يلعب اللاعب بالطست .
نرى أنه جمع جرس على جروس ، وعمد إلى ألفاظ غريبة يحشو بها وصفه نحو : السدوس الرسيس الرعوس . وأتى بالطست بصيغة غير مألوفة وهي الطسيس ، ولاءم بين الروي والكلمات الداخلية فاختارها من ذوات السين .
ومن المؤكد أن أباه فتح له باب الإغراب لكنه هو الذي تعمق فيه ، فسجل النحويون واللغويون أراجيزه . وهكذا اقترنت الأرجوزة عند رؤبة بغاية تعليمية واضحة ، تحولت بها إلى الشعر التعليمي في العصر العباسي كما قدمنا . وقد ولد منه العباسيون ثم الأندلسيون صوراً جديدة .
ـ الرجز من البحور القديمة في الشعر العربي ، استخدم بكثرة في الشعر الجاهلي ، مما يدعو إلى الاعتقاد بأنه كان الوزن الشعبي العام الذي يدور على كل لسان . ومن ثم لم نجد شاعراً مبرزاً ينظم فيه ، وكأنما قد تركوه للجمهور يتعهده ويرعاه .
ـ ونراه قد دخلت فيه صور كثيرة من الزحاف لا تلقانا في أي وزن آخر .
ـ كما أنه لم يتجاوز البيتين والثلاثة إلا نادراً فهو مقطوعات قصار ينظمها كثيرون على سبيل البديهة والارتجال مقترنة بأعمالهم وحركاتهم السريعة والبطيئة كحدو البعير أو الصول في ميادين الحروب ، أو تناول أي عمل كحفر بئر أو إخراج الماء منه .
ـ أول من أطاله وجعله كالقصيد شاعر مخضرم هو الأغلب العجلي .
ـ في العصر الأموي كثر محاكو الأغلب من الشعراء حتى قصر بعضهم حياتهم على تجويد الرجز وتحبيره ، وقد تناولت الأرجوزة حين طالت كل أغراض القصيدة ، وجرت على نمطها من الحديث عن الأطلال ووصف الرحلة في الصحراء والمديح والهجاء والفخر ، ومضت تزحمها حتى غلبتها في باب الصيد بالجوارح كالصقر والكلاب . ومن ذلك قول الشمردل بن شريك التميمي : ( حفظ )
قد أغتدى والصبحُ في حِجابه والليلُ لم يأوِ إلى مآبهِ
وقد بـدا أبلق من مُنجابه يَتوَّجىّ صاد في شبابه
مُعاودٍ قد ذلّ في إصعابه قد خُرّق الضِّفارَ من جِذابه
وعَرف الصوت الذي يُدعى به ولمعةَ المُلع في أثوابه
أبلق : فيه بياض وسواد . منجابه : مكان انشقاقه . التوجي : صقر ينسب إلى توج من قرى فارس . خرق : شق . الضفار : الحبل يُشدّ به . الملمع : المشير بثوبه .
والرجاز في هذا العصر فريقان :
ـ فريق يجمع بينه وبين القصيد فأكثر من الأراجيز ونظم بعض القصائد من حين إلى حين . وأهم من فقل ذلك أبو النجم العجلي الذي يجمع الرواة على أنه كان سريع البديهة في صنع الشعر ونظمه ، حيث يغلب الشعراء والرجاز جميعاً حين يستبقون في موضوع يطرحه خليفة أو وال ويظفر بالجائزة . وتميز شعره بالدعابة وعدم الإكثار من الغريب .
ـ والفريق الآخر – وهم كثيرون – شعراء أخلصوا شعرهم في الرجز أبرزهم العجاج وابنه رؤبة اللذان انتهت إليهما صناعة الرجز ، حيث تحول على أيديهما إلى صناعة لغوية ، فلم يعد يقصد به إلى التعبير عن الأغراض الوجدانية المختلفة وحدها ، بل أصبح يقصد به أيضاً إلى التعبير عن غرائب اللغة .
ـ وكان هذا الاتجاه قد كثر عند شعراء العصر ، وهو اتجاه تعليمي دعت إليه عناية الأجانب بتعلم اللغة العربية ونهوض طائفة من العلماء بجمع اللغة وشواردها . وقد انبرى العجاج وابنه رؤبة يجمعان لهم في شعرهما هذه الشوارد حتى تحول ديواناهما إلى معجمين للغرائب اللغوية . لذا عُدّا أهم من هيأ لتحول الرجز من شعبيته القديمة إلى بيئة المثقفين ، وسرعان ما استغله العباسيون في شعرهم التعليمي .
العجاج :
هو عبد الله بن رؤبة التميمي . نشأ في البادية ونزل البصرة وكان دائب الرحلة إلى منازل قومه في الصحراء . له أراجيز كثيرة في مدح الخلفاء والولاة ، وفي وصف الطبيعة الصحراوية وكل ما يجري في أراضيها وسمائها .
يعد أول من فسح للرجز طاقته وجعله يخوض في كل ميادين القصيدة . ودفعه من الشعبية إلى الغرابة اللفظية . وكان يكثر فيه من القياس والاشتقاق حسب ذوقه في الألفاظ العربية والفارسية بقصد الإغراب ، وكأن الإغراب أصبح عنده يُقصد لذاته .
ومن طريف ما يفعله أنه كان يستبدل افتتاح بعض الأراجيز بذكر الأطلال ووصف الصحراء بالحمد والثناء على الله ، وقد يسترسل في ذلك حتى تصبح الأرجوزة موعظة كاملة .
رؤبة :
هو ابن العجاج سماه على اسم جده . عني به والده فاستيقظت شاعريته مبكرة . ولع بالرحلة إلى الشرق في شبابه فرحل إلى السند وخراسان ، ثم لزم العراق يمدح الولاة والأمويين ثم العباسيين حتى مات سنة 145هـ
انتهى عنده فن الرجز إلى الصعوبة اللغوية ليرضي اللغويين من حوله ويقدم لهم ما يطلبونه من شواذ اللغة ، فغدت أرجوزته متناً لغوياً معقداً يختارها من وحشي الكلام بحيث لا يفهمها إلا اللغويون . وكان يضيف إلى الألفاظ زوائد تزيدها استغلاقاً . يقول في وصف الليل : ( حفظ )
وَجُلُّ لَيْلٍ يُحْسَبُ السَدُوسا يَسْتَسْمِعُ السارِي بِهِ الجُرُوسا
هَمَاهِماً يُسْهِرْنَ أَوْ رَسِيسا قَرْعَ يَدِ اللَعّابَةِ الطَسِيسا
عَلَوْتُ حِينَ يُخْضِعُ الرَعُوسا أَغْيَدَ يَسْقِي مَوتَهُ النَعُوسا
جل الليل : معظمه . السدوس : الطيلسان الأخضر . جروس : جمع جَرْس وهو الصوت . هماهم : جمع همهمة وهي الصوت الخفي . الرسيس : الحديث غير المبين . الرعوس : الذي يهز رأسهُ في نومه . الطسيس : الطست . يريد أن النوم يميل رأسه ويلعب به كما يلعب اللاعب بالطست .
نرى أنه جمع جرس على جروس ، وعمد إلى ألفاظ غريبة يحشو بها وصفه نحو : السدوس الرسيس الرعوس . وأتى بالطست بصيغة غير مألوفة وهي الطسيس ، ولاءم بين الروي والكلمات الداخلية فاختارها من ذوات السين .
ومن المؤكد أن أباه فتح له باب الإغراب لكنه هو الذي تعمق فيه ، فسجل النحويون واللغويون أراجيزه . وهكذا اقترنت الأرجوزة عند رؤبة بغاية تعليمية واضحة ، تحولت بها إلى الشعر التعليمي في العصر العباسي كما قدمنا . وقد ولد منه العباسيون ثم الأندلسيون صوراً جديدة .
تعليقات
إرسال تعليق