تفسير آخر سورة النبأ ..




البحر المحيط في التفسير :

" جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39)
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) "

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُعِثَ، جَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَا الَّذِي أَتَى بِهِ؟ وَيَتَجَادَلُونَ فِيمَا بُعِثَ بِهِ، فَنَزَلَتْ.



تفسير الزمخشري لآخر ايات سورة النبأ :

( جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً )

عن على رضى الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين جَزاءً مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً كأنه قال: جازى المتقين بمفاز. وعَطاءً نصب بجزاء نصب المفعول به. أى: جزاهم عطاء.
وحِساباً صفة بمعنى: كافيا. من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي. وقيل. على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب: حسابا، بالتشديد، على أنّ الحساب بمعنى المحسب، كالدرّاك بمعنى المدرك .

" رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39)"

قرئ: رب السماوات. والرحمن: بالرفع، على: هو رب السماوات الرحمن. أو رب السماوات مبتدأ، والرحمن صفة، ولا يملكون: خبر. أو هما خبران. وبالجر على البدل من ربك، وبجر الأوّل ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره لا يَمْلِكُونَ. أو هو الرحمن لا يملكون.
والضمير في لا يَمْلِكُونَ لأهل السماوات والأرض، أى: ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. ويَوْمَ يَقُومُ متعلق بلا يملكون، أو بلا يتكلمون.
والمعنى: إنّ الذين هم أفضل الخلائق «1» وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟
والروح: أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين. وقيل: هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرض خلقا أعظم منه. وقيل: ليسوا بالملائكة، وهم يأكلون. وقيل:
جبريل. هما شريطتان: أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى «2» ، لقوله تعالى وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى.

 "إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)"
مَرْءُ
هو الكافر لقوله تعالى " إنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً "
والكافر: ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم، ويعنى اقَدَّمَتْ يَداهُ
من الشر، كقوله " وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ "، " وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ "، " بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" وعن قتادة: هو المؤمن يالَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث. وقيل يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء، ثم يردّه ترابا، فيودّ الكافر حاله.
وقيل: الكافر إبليس، يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.

تعليقات

المشاركات الشائعة